المحلية

خطبتا الجمعه من المسجد الحرام والمسجد النبوي

مكة المكرمة/ المدينة المنورة – واصل :

أوصى فضيلة أمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور أسامة خياط، المسلمين بتقوى الله عز وجل، والاستيقان بالفرج القريب من الله الرحيم الرحمن، مشيراً إلى أن الشدائد والابتلاءات والمحن، ما هي إلا خطوةٌ على الطريق إلى تحسين الأحوال، وقفزةٌ إلى رخي العيش وبلوغ الآمال، مع ما فيها من تمحيص وتكفير للسيئات، ورفع للدرجات.

وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم إن صروفُ الليالي وتقلُّب الأيامِ، يُعقِبان المرءَ تبدُّلَ أحوال ونزولَ شدائد وحُلول كُرَب، يتخللها من الغُمومِ والهمومِ مَا يَستَحوِذُ عَلَى صاحِبِها، ويسوؤه في نفسِه وولده، أو جسمه أو صحته وعافيته، أو عِرضِه أو ماله وبلَدِه، فيضيقُ بها صدره، ويلتَمسُ تفريجَها وكشفَ ضرّها، فيذكر قولَ ربِّه الأعلى سبحانه: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، وقولَه عزَّ اسمُه: (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ، قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ)، فيستَيقِن أنَّه سبحانه المُنجِّي من كلِّ كربٍ، الكاشفُ كلَّ ضُرٍّ، المُغيثُ لكلّ ملهوف، فيتوجَّهُ إليه بالدعاء مُتضرِّعًا مُخلِصًا خاشعًا خاضِعًا مُخبِتًا مُتَحرِّيًا أوقاتَ الإجابة؛ امتثالاً لقولِه عزّ وجلّ: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)، راجيًا أن يُفرِّج كربَه، ويكشف غمَّه، ويُذهِبَ همَّه.

وأوضح، أن المرء يتوسَّلُ إلى الله سبحانه بما كان يَتَوسَّل إليه به نبيُّه صلى الله عليه وسلم مِن جوامعِ الدّعاء، كما في الحديثِ الذي أخرجه الترمذيّ في جامعه بإسنادٍ حسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنّه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كرَبَه أمرٌ يقول: (يا حيُّ يا قيوم، برحمتك أستغيث)، وفي صحيح البخاري رحمه الله عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: (لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم)، ومن ذلك المداومة على دعاء نبيِّ الله يونس عليه السلام وهو في بطن الحوت؛ فقد أخرج الحاكم رحمه الله في مستدركه بإسنادٍ صحيح عن سعدِ بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، لم يدعُ بها مسلمٌ في شيءٍ قطّ إلا استجابَ الله له بها)، وذلك مصداقًا لقوله سبحانه: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ).

وبين الشيخ الدكتور أسامه خياط، أنه كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الفزع إلى الصلاة عند النوائب، ففي سنن أبي دواد عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حز به أمر صلى) أي: إذا نزل له أمر مهم، أو أصابه هم أو غم، فزع إلى الصلاة لأنها كما قال أهل العلم: “حصن المسلم وملجؤه الذي يأوي إليه، والعروة الوثقى التي يعتصم بها، والحبل الممدود بينه وبين ربه، وهي غذاء الروح، وبلسم الجروح، ودواء النفوس، وإغاثة الملهوف، وأمان الخائف، وقوة الضعيف، وسلاح الأعزل”.

وأكد أن من أعظم ما يُرجى لتفريج الكُربة ورفع الشدة عند البلاء: القيامُ بحقِّ الله تعالى؛ بالإيمان به، والمُسارَعَة إلى مرضاته، واللجوء إليه، وصدق التوكل عليه، وحسن الثقة به، والإيمان برسولِهِ، واتِّباع سنته، واقتفاء أثره، وتقديم محبته على محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين، والإكثار من الدعاء، والإلحاح فيه، والاستغفار والصدقة وتلاوة القرآن.

وشدد فضيلته، أنه يجب الالتزام التام بكافة الإجراءات الاحترازية التي تتخذها الجهات المختصة، والتعاون معها على ذلك؛ تعاونًا على البر والتقوى، وطاعةً لولاة الأمر، وتحقيقًا للمقاصد الشرعية، وأخذًا بالأسباب الوقائية، وحفاظًا على الأنفس، وحرصًا على ما فيه السلامة من كل داء، والنجاة من كل بلاء، واعتمادًا وتوكلًا في كل ذلك على خالق الأرض والسماء، القائل سبحانه: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).

وأشار فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام إلى أن مما يعزي النفوس عند نزول الشدائد، وحلول المحن، ويصرف عنها موجة الألم لفواجعها ونكباتها: الأملَ في فرج الله القريب، والثقة في رحمته وعدله؛ إذ هو – سبحانه – أرحم الراحمين، ومن رحمته لعباده أنه لا يتابع عليهم الشدائدَ، ولا يكرههم بكثرة النوائب، بل يعقب الشدة بالسعة والرخاء، والابتلاء بالرحمة وسابغ النعماء، كما قال – عز وجل -: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)، حيث تكرر اليسر بعد العسر مرتين، ولن يغلب عسرٌ يسرين، وحيثما وجد العسر على تنوع ألوانه واختلاف دروبه، وجد إلى جانبه يسرٌ ينفث الكربة، ويجبر القلب، ويواسي الجراح، وينسي الآلام، ويذهب الأحزان، خاصة حين يلجأ المؤمن في شدته وبلائه إلى ربه، ويسأله أن يبدله من بعد شدته: رخاءً، ومن مجالب أحزانه، وبواعث همه: فرجاً ويسراً.

وفي المدينة المنورة بدأ فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ احمد طالب بن حميد خطبة الجمعة بحمد الله والثناء عليه وتعظيمه وإجلاله واستغفاره, مذكراً بأن الله لطيف بعباده المتقين الصابرين, وسع كل شيء رحمة وعلماً, وخلق كل شيء فقدّره تقديراً, وأحصى كل شيء ودبّره تدبيراً.

ودعا إلى تقوى الله, امتثالاً لقوله تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ” وقوله جل شأنه “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا “.

وقال أن الله لطيف خبير, لطف بما يشاء لما يشاء إلى ما يشاء, وكان بخفيّ قدره ودقيق علمه ببواطن خلقه ونفاذ حكمه لطيفاً خبيراً, نفذ بلطفه في خلقه بلطيف خلقه إلى عامر العواصم بأخلاها, وشديد الأبدان فأرداها, وإلى عديد الجمع فشرّده, ووفير المال فبدّده, طاف على رقاب الجبابرة فأذلها, وصحيح أحوالهم فأعلها, وثابت أقدامهم فأزلها, طال البروج المشيّدة, والجيوش المؤيدة, والنسّاك المتعبدة, والهتّاك المتعربدة, درج إلى مدائن الأنفاس المتزاحمة, والأجساد المتلاحمة, فلا همس ولا لمس, كأن لم تغن بالأمس, وما ذلك إلا لأمر وقع منا, ولطف ارتفع عنا, فلا تظنّ أن العدو غلب, ولكن الحافظ تولّى, لعلهم يتذرعون, لعلهم يرجعون, ولعلهم يتذكرون.

وأضاف فضيلته مذكراَ الناس بوجوب استغفار ربهم والتوبة إليه من كل ذنب : كثف ران القلوب, فلطف بها علّام الغيوب, وما كثف ضعف, وما لطف عنُف, ليمحّص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين, وليعلم الذين نافقوا, وينتقم من الذين أجرموا, ويشفي صدور قوم مؤمنين, ويتخذ منهم شهداء, إن ربي لطيف بما يشاء, إنه هو العليم الحكيم.
وزاد : فاتقوا الله حق التقوى, فمن يتق الله يجعل له مخرجاً, ويرزقه من حيث لا يحتسب, ومن يتوكّل على الله فهو حسبه, إن الله بالغ أمره, قد جعل الله لكل شيء قدراً.

وذكر أن الله لطيف بعباده, يلطف خفيّ الرزق بضعيف الخلق ولو كره الأقوياء, وينفذ دقيق اللطف لذليل العباد ولو امتنع الأعزاء, يرزق من يشاء وهو القويّ العزيز سبحانه, يستقل كثير النعم على خلقه, وينمّي قليل الطاعة من عبده, يجازيك إن أحسنت ويعفو عنك إن قصّرت, من خضع له أعزّه, ومن افتقر إليه أغناه, لا يطلب من الأحباب وسائل الأٍباب, أمره تقريب, ونهيه تأديب, وعطاؤه خيرة, ومنعه ذخيرة, ومجمع لطفه التعطّف والتقريب, فهو القريب المجيب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى