كتاب واصل

التهذيب الرقمي

في لقاء تلفزيوني مع والد طفل أبها على قناة الاخبارية الذي توفي منتحراً بسبب لعبه إلكترونية تقمصها وأثرت على سلوكه الذي أدى به إلى الانتحار، وذكر والده في بداية اللقاء التلفزيوني قوله: “ماكان في بالنا العامل النفسي” وذكر أن ابنه يقضي وقتاً طويلاً على جهاز الكمبيوتر دون رقابه، وقضى الطفل أكثر من ثلاثة ألاف دقيقة حسب كلام والده في اللعب في هذه اللعبة وقال والده نصاً: ” لما توفي كأني استيقظت” ، فمتى يستيقظ غيره ؟ وهل ننتظر إلى أن يستيقظ الآباء بعد وقوع الكارثة؟!!! .

الاخصائي النفسي
يوسف ين سيف السلمي

إن بناء الشخصية المتزنة هدف لتحقيق الأمن النفسي والذي لايعني الخلو من الاضطرابات النفسية وحسب ، ولكن القدرة على تجاوز الصعوبات والعقبات؛ في تفاعلنا مع البيئة الاجتماعية والمادية في عالمنا الواقعي ، والبيئة الرقمية في عالمنا الافتراضي “السيبراني” التي يدور حولها هذا المقال ودارت حولها أحداث انتحار طفل أبها .
إن المسؤولية الاجتماعية لشركات التقنية والانترنت والتي حققت أرباحاً بمليارات الدولارات، توجب عليها أن تضع لنا تنبيهات كلما تجاوز المستخدم فترة طويلة وهو متصل بالانترنت ، أو إذا قضى وقتاً طويلاً ونسي نفسه أثناء متابعة الجديد في أحد برامج التواصل الاجتماعي ، وكذلك يجب عليهم التنبيه المستمر لأضرار الاستخدام المفرط للأنترنت ، ووضع تحذير في الصفحة الرئيسية للمواقع الرسمية كجوجل وأبل وفيسبوك وتويتر وغيرها من أضرار الاستخدام المفرط، أو على الأقل يتم تصميم علامة تحذير على شاشات الأجهزة والصفحات الرئيسية بدل إغراقها بالإعلانات.
لقد ظهر مؤخراً مصطلح “التهذيب الرقمي” والذي يقصد به تقنين استخدام التقنية وضبطه أخلاقياً وفق معايير الصحة العامة والعمر، والصحة النفسية والأخلاقية. كثيراً من المنتجات في الأسواق سواء مواد غذائية أو سجائر أو ألعاب وغيرها تحدد سن المستخدم وتحذر من المنتج الضار ، أو تحذر من الإكثار منه ، ومنهم الأكثر ذكاء فيضع علامة تدل على أن هذا المنتج منخفض السعرات الحرارية من أجل زيادة المبيعات لاسيما وأن هذا المنتج ليس صحياً وليس أفضل من غيره على كل حال.
إن ما أحدثه الفضاء السيبراني من تأثير في نظام الحياة للبشر وما أبرزه من وتغيير وماسببه من برمجة للعقول ودفع بها لا شعوريا نحو منتجات وأسواق جديدة وعالم رقمي هائل كالبحر في تلاطم أمواجه وكالليل في ظلمته -أحدث العديد من السلبيات كإدمان الانترنت والمخدرات الرقمية والتنمر الالكتروني والتجنيد الالكتروني و غيره .
إن هذا الأمر يتطلب منا أن لا نقف -كمختصين في علم النفس -مكتوفي الأيدي .
إن أمننا النفسي السيبراني في خطر، فقد جاء وقت إطلاق التحذيرات وحان قت التوعية والتثقيف حول ما يدور في الفضاء السيبراني وأثره على سلوك الانسان الذي أوصل الحال بالأطفال الى الانتحار. وجعل من الجماعات الإرهابية التي استغلت وسائل التواصل الاجتماعي في تجنيد الشباب والتصيد الالكتروني لضحاياها. ولم يقف الحد عند هذا بل شنت الهجمات الشرسة على الوطن من الأعداء الذين سخروا آلاف المغردين مطلقين الهاشتاقات المضادة للمملكة العربية السعودية والهدف!!! نحن بلاشك.
إن الشبكة العنكبوتية والفضاء السيبراني من حولنا يسرق أوقاتنا في المتابعة التي لا تنتهي وشركات التقنية مازالت تسهل المزيد من هذا الشره الرقمي الذي أصاب البشر ونقلت ما كنا نعانيه في عالمنا الحقيقي من اضطرابات وظواهر نفسية إلى عالمنا الافتراضي فأصبح لدينا إدمان الانترنت وفوبيا فقدان الهاتف المحمول بعد أن كان لدينا إدمان المخدرات والفوبيا بأنواعها المعروفة وبعد ان كان الانتحار ناتج عن أسباب نفسية وبيئية أصبح ناتجاً عن أسباب سيبرانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى