كتاب واصل

الابل عبر العصور

بقلم : منصور ماجد الذيابي

انقرضت خلال العصور القديمة أعداد كبيرة من الحيوانات مثل الديناصورات والنمور و الوعول الجبلية و غيرها من الحيوانات باستثناء الابل التي تمكّنت بفضل الله من الصمود والبقاء في شبه الجزيرة العربية ومناطق واسعة من قارة أفريقيا رغم ندرة الأمطار و شح المياه الجوفية, و رغم قسوة الأحوال المناخية في شبه الجزيرة العربية و شمال أفريقيا حيث اعتمد الانسان في هذه المناطق الصحراوية على الابل اعتمادا كليّا في توفير غذاءه منها, واستخدامها كوسيلة نقل أساسية خلال رحلاته الطويلة عبر الصحاري والقفار الشاسعة التي لا يقوى على السير فيها والصبر على مشقة الترحال عبر تضاريسها سوى ” عطايا الله” كما تقول العرب.

ومن هنا جاء اهتمام العربي بالابل قديما و حديثا نظرا لما وهبها الخالق سبحانه وتعالى من صفات جمالية و طباع ودّية و قدرات حركيّة وامتيازات غذائيّة تتمثل فيما يحتويه حليب الابل من فوائد صحيّة أثبتها العلم الحديث في كثير من التجارب المخبريّة والدراسات العلمية التي نُشرت في بعض المجلاّت العلمية مثل مجلة العلوم والتقنية في عددها الثامن والستين في شهر شوال من عام 1424 حيث تضمّن الجزء الأول من الدراسة موضوعات مختلفة مثل التناسل في الابل, وقدرة الابل على تحمّل العطش, وسلوكيات وطباع الابل و ألوانها, وحليبها, وطرق تغذيتها وتربيتها. وكنت أحد المساهمين بترجمة عدد من هذه المقالات العلمية لمجلة العلوم والتقنية التي تشرف عليها ادارة التوعية العلمية والنشر, اضافة لمساهمتي آنذاك بترجمة ومراجعة الاصدارين السنويين السادس عشر والسابع عشر.

لقد وهب الله هذا المخلوق صفات أبهرت الانسان واستقطبت الكثيرين لامتلاك الابل وتربيتها وقضاء أوقات ممتعة معها. قال تعالى: ” أفلا ينظرون الى الابل كيف خلقت”. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم مخاطبا أصحابه بأن يتركوا ناقته تستقر وتبرك في المكان الذي تختاره النّاقة: ” دعوها فإنّها مأمورة”.

ومن تلك الطّباع والصفات التي أبهرت الناس هو وفاء الابل لصاحبها, اذا تتشكّل بين الابل وصاحبها علاقة ودّية قويّة تتجذّر مع مرور السنوات الى الحد الذي يصعب معه فك الارتباط العاطفي بينهما حتى أن الابل تتذكّر موطنها الأصلي الذي غادرت منه قبل فترة زمنية طويلة ثم ما تلبث أن تعود شوقا وطواعية الى المكان ذاته الذي عاشت فيه مع مالكها وفاءً له لحسن معاملته ايّاها واشتياقا لموطنها الأصلي الذي نشأت فيه.

ولقد ازداد اهتمام الانسان العربي بالابل عبر الأزمنة المنصرمة والعصور المتعاقبة حتى جاء العصر الذهبي للابل في عهد الدولة السعودية الثالثة حينما أولى الملوك والأمراء ومسؤولي الحكومة في بلادنا بالغ الاهتمام بالابل ايمانا منهم بقيمة وأهمية المحافظة على هذا الموروث الثقافي باعتبار أنه قد يكون ,من وجهة نظري, أحد أدوات استراتيجية تقليل الانبعاثات الكربونية الناتجة عن وسائل النقل الحديثة, وباعتبار هذا الموروث أحد أهم مصادر الثروة الحيوانية في البلاد.

ولذلك فقد وفّرت الجهات الحكومية المعنيّة بالثروة الحيوانية كل ما من شأنه المحافظة على الابل وتوفير المياه والأعلاف والأدوية البيطرية اللازمة لمكافحة ومقاومة الأمراض التي تصيب الابل العربية. ليس هذا فحسب, بل ان القيادة في الدولة السعودية شجّعت وأنشأت مهرجان الملك عبدالعزيز السنوي الذي يعدّ أحد أضخم المهرجانات في المملكة العربية السعودية, والذي يهدف الى توفير وجهة ثقافية واقتصادية وسياحية وترفيهية لكل المهتمّين بالابل و هواة مسابقات مزاين الابل العربية الأصيلة. وهو المهرجان الذي أقيمت النسخة السادسة منه قبل شهر تقريبا في الصياهد الجنوبية للدهناء بالقرب من محافظة رماح, على بعد 150 كيلو متر الى الشمال الشرقي من العاصمة الرياض. ولقد استقطب المهرجان جمهورا غفيرا من هواة وملاّك الابل في السعودية ودول الخليج العربي, وقدّمت خلاله جائزتي سيف الملك وبيرق المؤسس للفائزين بالمسابقات للعديد من الفئات المختلفة من الابل والتي تشمل سبعون شوطا تمت جدولتها لمدة 43 يوما. واشتملت الفئات المشاركة على الابل من نوع فردي دق و جل وقعدان و مفاريد, وكذلك المجاهيم, والسواحل, و الأصايل, والوضح, والشقح, والصفر, والشعل, والحمر.

كما أنشأت الحكومة السعودية ” المنظمة الدولية للابل”, وهي ” منظّمة دولية, غير ربحية, تهدف لتطوير وخدمة كل ما يتعلق بالابل كموروث و رياضة “. وقد تأسّست في مارس 2019, ومقرّها في العاصمة السعودية الرياض, وتضم حاليا 105 من الدول الأعضاء على مستوى قارات العالم الست, وتهدف المنظمة وفقا للمصادر الى تأصيل وتطوير وخدمة كل ما يتعلق بالابل كموروث.

وقد أسهم الشعراء قديما وحديثا في تأصيل تراث الابل وتعزيزه في الثقافة السعودية والعربية عموما.

وممّا نقله لنا الشعر أبيات للشاعر فرّاج بن ريفه القرقاح القحطاني والتي تغنّى بها ولحّنها المذيع و الأديب السعودي الراحل مطلق بن مخلد الذيابي رحمه الله, الذي كان يقدّم أعماله باسم ” سمير الوادي”. وهو الاعلامي الذي ارتبط اسمه بالصحراء وتفاصيلها وأدبها ارتباطا وثيقا. ومن أعماله المختلفة أداءه لهذه الأبيات التي قدّمها الذيابي للمرة الأولى عبر الاذاعة و لاقت نجاحا واستحسانا كبيرين بفضل ما يملكه مطلق بن مخلد من مقوّمات الأداء الصوتي واللّحن الموسيقي.

وممّا قاله الشاعر فرّاج القرقاح:

يالله أنا طالبك حمراً هوى بالي *** لا روّح الجيش طفّاح جنايبها

وفي قصيدته هذه كان الشاعر القرقاح ترحّم على والده الذي اشترى له النّاقة, فقال:

الله يرحمك يا عودٍ شراها لـي *** من واحدٍ جابها للسوق جالبهــا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى