مساحة حرة

حُبٌّ لا يَشِيخ

بقلم:ابراهيم سعيد بخروش

حُبٌّ لا يَشِيخ يقول أحدهم:  [صعدتُ على متن الطائرة متَوجِّهاً إلى إحدى المدن رفقةَ “أُمّي” في رحلة علاج لها..

    وبعد إقلاع الطائرة بقليل أخرجتُ كتابي وبدأتُ أقرأ..

وبينما أنا كذلك كانت رفيقة دربي منشغلة كعادتها  بالدعاء والاستغفار  ..

سألتُها إن كانت تريد شيئاً ؟ شكرتني ثم سألتني: ماذا تقرأ ؟

أخبرتها بموضوع الكتاب ودار بيننا حوار قصير .. ختمته قائلة (ياليتني أعرف أقرأ القرآن! )

ثم عادت تكرر ابتهالاتها ودعواتها

   أمّا أنا : فقد سرقتني تلك الأمنية العظيمة لأمي مما كنت فيه ، لتغوص بي في بحر الذكريات ، وأعيش مرّة أخرى تلك اللحظات التي أيقضتني فيها من النوم وأخبرتني للمرة الأولى قائلة (إلبس ثوبك الجديد لتذهب للمدرسة) ..

لأنهض على الفور بفرح شديد وهي تنظر إلي مبتسمة..

  وكـ حال أي أسرة أخرى كان من أولادها من يحتاج للإيقاض مرة ومرتين وأكثر وهي تفعل ذلك بلا ملل! .

  ثم انطلقتُ للمدرسة..

لا !! 

بل انطلقت لحياةٍ كان لأمي فيها عظيم الأثر والفضل.

كيف لا تكون كذلك !

وقد كانت الموجهة والمربية والقدوة..

فما زلت أتذكر نصيحتها التي كنت انزعج عند سماعها (لازم يولدي تكون عضو نافع لدينك ووطنك ومجتمعك) ، واستغفر الله من ذنب الانزعاج.

كيف لا تكون كذلك !
وهي التي كانت تعمل – بالأضافة لعملها كـ ربّة منزل- في الزراعة والفلاحة ورعاية أملاك الأسرة الأخرى كالأغنام والأبقار  والخياطة الضرورية أحياناً لتساند أبي في تأمين لقمة عيش كريمة..

كيف لاتكون كذلك!

وهي التي وهبتني شبابها وصحتها لأتعلم وأكبر.. حتى إنه لم يبقَ اليوم من ملامحها تلك عندما أيقضتني أول يوم دراسي إلا ابتسامتها التي أضاءت لي كل الدروب..

وما زال عطاء مبسمها يتدفق رغم كل الأوجاع..

كم أتمنى اليوم لو أنّني بقيت طفلاً صغيراً لتبقى أمي بشبابها وصحتها..

وعلى الرغم من كل ذلك.. لم استطع أن أحقق أمنيتها بقراءة القرآن.. رغم محاولتي ذلك بإحضار مصحف ناطق لها..

   بينما أنا غارق في عالم الذكريات إذا بالمضيفة تلفت انتباهي لربط الحزام استعداداً للهبوط.. لتنتهي الرحلة ونصل بسلام.. فـ لا شك أن “لكل رحلة نهاية” ] انتهى..

عزيزي القارئ:

قصة أُمّ ذلك الشاب ليست حالة فردية نادرة الحدوث  بل واقع كل أم وأب ضحو من أجل أبنائهم..

فعطاؤهم يفوق مايملكون وكأنّ المقولة الشهيرة “فاقد الشيئ لايعطيه” لاتنطبق على عطائهم وحبهم..

عطاء بلا منّة ، وتضحيات لا تُقارن بعطاء بشر .. وحبٌّ لا يشيخ أبداً.

   ولنتذكر  دائماً ذلك التوجيه الرّبّاني في قوله تعالى:
{ فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} الإسراء

ولا شكّ أن فقد الأم مصاب عظيم وعزاء كل من فقد أمّه أن يتذكر أنّ رسول الله ﷺ نشأ يتيماً..

  وفي كل لحظة حزن ؛ وانهمار دمعة فراق ليتذكر أنّ ذلك القلب الحنون ماكان ليرضى لفلذة كبده إلا السعادة وأنّه ينتظر منه الدعاء عملاً بحديث رسول الله ﷺ : (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) رواه مسلم

ختاما: {رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}

ودمتم سالمين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى