كتاب واصل

بين جنة داعش ولذة فاحش

بقلم : يوسف الزهراني

ما إن يصعد الشباب ياتجاه عتبة المراهقة حتى تتقاذفهم أمواج التوتر والقلق؛ كونهم في مرحلةٍ عادة ما تكون مصحوبة باضطراب سلوكي، يحاولون فيها الخروج من عباءة الوالدين والمجتمع وإيجاد هوية خاصة بهم؛ فيشعرون غالبًا بالضياع، حيث عوامل الإحباط والصراعات القيمية المختلفة التي تواجههم داخل الأسرة وخارجها, يضاف إلى ذلك محاكاة سلوك بعض من ينتمون إليهم من الأصدقاء, ما يوقعهم في صدامات مع من حولهم تجعلهم يقومون بتصرفات تتعارض مع السلوك المقبول من أسرهم ومجتمعهم، بل قد يعانون حروبًا لا تنتهي بين حاجتهم إلى ربهم والانصياع لشهواتهم، ويستمر الصراع داخل كل منهم حول الصواب والخطأ والخير والشر، يدورون في متاهات لا تنتهي، حائرين باحثين عن إجابات شافية قد تصل بالكثيرين منهم إلى نقطة اللاعودة.

وانطلاقاً من واقعنا الذي تمثل فيه نسبة الشباب أكثر من ٦٠٪ ، تأتي الكتابة عن قضاياهم أمراً غاية في التعقيد في ظل هذه المرحلة الاستثنائية, فالمتأمل واقع الشباب يجدهم تحت تأثير ثلاث منحنيات خطره :
إما مسار التشدد الذي تفرزه الأدلجة الفكرية ،
وإما مسار الانحلال والابتذال والتمييع الذي تنتجه بعض الممارسات والسلوكيات الغربية
أو مسار الإلحاد ، وهو ظاهرة وإن كانت تعد نادرة إلا أنني أخشى أن تتبلور بشكل لافت ،
ما يؤكد أن ثمة خللاً كبيرًا في مؤسسات التنشئة الاجتماعية (الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام)، التي فشلت فشلاً ذريعاً في تحصين أجيالنا الشابة من كل تلك الممارسات الخاطئة, كل ذلك يحدث في ظل غياب الوسطية، أو لنقل عدم تمظهرها بشكل واضح.
ففي غفلة زمنية وكذلك مجتمعية حدث ما يشبه الغسيل للكثير من أدمغة بعض الشباب من قبل بعض المتشددين؛ حتى صدقوا الكثير من الأوهام والتصورات وتبنوا الكثير من الأفكار والمعتقدات ,

وفي ذات الوقت الذي تروج فيه بعض الجماعات الفكر المتشدد الذي يمثل من وجهة نظرهم صحيح الدين ويحاولون استقطابهم لتبني مبادئهم بحجة أنها طريقهم إلى الجنة، نجد على الضفة الأخرى تيارًا معاكسًا لا يقل خطورة عن مسار التشدد والتطرف يدفع الشباب للتحرر وتقليد الغرب والانغماس في رفاهية اللذة المحرمة, وبينهما نفر أغواهم التيه فانزلقوا في مستنقع الإلحاد, فيما يظل خط الاعتدال والتسامح وتحمل المسؤولية والقدرة على الإنتاجية والمشاركة في التنمية الوطنية غير واضح المعالم، رغم وجود الكثير من النماذج التي نفخر بها لكنها حتى الآن مجرد محاولات ومبادرات فردية.

وفي هذا الإطار يعتبر علماء نفس أن ارتدادات هذه الحالة على المجتمع واضحة؛ فالبعض يعتبرها مصدرًا مباشرًا لبعض حالات التشدد والتحرر لكنها لن تدوم، فيما يعتبرها بعضهم الآخر سببًا غير مباشر قد يؤدي إلى تصرفات غير طبيعية؛ ما يشير إلى أن مواجهة هذه الأفكار القاتمة بات ضرورة, فالشباب حائرون بين هذا وذاك؛ كونهم قليلي الاطلاع وبالتالي يصبحون فريسة سهلة للتيارات المختلفة, تتقاذفهم دون معرفة منهم أو علم وإقناعهم بأفكار وهمية ومريضة تتسبب في اعتلال المجتمع ككل.

وللخروج من هذه المآزق الثلاثة لا بد من إعطاء الشباب الفرصة الكاملة لصياغة وبناء حياتهم بالشكل الذي يتناسب مع طموحاتهم وتطلعاتهم وظروفهم، وألا تمارس ضدهم الوصاية الخانقة، كما لا يجب أن يشعروا بعزلة تامة عن مجتمعهم, ويكون التعامل معهم من مبدأ “لا إفراط ولا تفريط”, بينما يتعين على الوالدين والمحيطين بهم من علماء ومربين ودعاة الانتباه في هذه المرحلة الخطرة لحاجاتهم الاجتماعية والنفسية، ومساعدتهم على اكتشاف ذواتهم وتكوين هويتهم والاجابة على تساؤلاتهم بكل شفافية, كما يتعين بناء علاقة متينة معهم قائمة على الإنصات الواعي وتفهم حالة الضياع التي يمرون بها والأخذ بأيديهم نحو بر الأمان, فالشباب ثروة وطنية وطاقة يجب أن نوجهها التوجيه الصحيح ونحافظ عليها ونعمل على تنميتها وصقلها, لا أن نتركها تصارع أفكارها دون توجيه .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى