كتاب واصل

توظيف كلمة ” عدد ” في الشعر والأدب

قبل توضيح المفهوم العام لكلمة “عدد” في قصائد الشعراء, أرى أنه من المناسب الرجوع الى أصل استخدام الكلمة في أول مصادر الشريعة الإسلامية وهو القرآن الكريم, للتعرف على المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي للكلمة في الشريعة الإسلامية.   

منصور ماجد الذيابي

قال تعالى :” هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ “. في تفسير ابن كثير ” وقدره” أي القمر , ” منازل لتعلموا عدد السنين والحساب”: فبالشمس تعرف الأيام، وبسير القمر تعرف الشهور والأعوام. ومن هنا نفهم أن كلمة “عدد” وردت في الآية الكريمة لأجل أن يهتدي الانسان الى حساب الزمن من خلال تتبع حركة الكواكب حول الأرض التي يعيش عليها.

ومما ذكره السلف فيما يتعلق بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم صيغة الصلاة على النبي بقول الامام الشافعي:” اللهم صل على محمد عدد ما ذكره الذاكرون وعدد ما غفل عنه الغافلون”. تشير هذه الصيغة في الصلاة على النبي الى ان قائلها يسأل الله مزيدا من الرحمة والثناء لرسوله صلى الله عليه وسلم. ويأتي طلب الزيادة في عدد الصلاة انطلاقا مما ورد في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشر صلوات وحطت عنه عشر خطيئات ورفعت له عشر درجات” رواه مسلم وغيره. واقتباسا من معنى الحديث يقول احد الشعراء: وصلاة ربي كل ما أصبحت وامسيت ** على النبي عدة سطور الجريدة.

وأما العدد في اللغة, كما جاء في كتاب ” جامع الدروس العربية ” لمصطفى الغلاييني, 1990, “هو الكمية المتألفة من الوحدات، فلا يكون الواحد عددا، وأما إذا فسر العدد، بما يقع به مراتب العدد، دخل فيه الواحد أيضا”. هذا تعريف بسيط للعدد من الناحية اللغوية الا أنني لا أتكلم في هذا المقال عن وحدات العدد واقسامه وتمييزه وتذكيره وتأنيثه في اللغة العربية, فهذا موضوع مختص بعلماء النحو والصرف. لكنني اردت في هذا المقال ان افهم الأسباب التي تجعل الشعراء يلجأون الى توظيف كلمة “العدد” في ختام قصائدهم المختلفة.

مما سبق نفهم أنه كلما زاد العدد كلما زادت قيمة الشئ وارتفع قدره أو أجره أو مكانته وحجمه. ومن هنا أراد الشعراء استخدام كلمة (عدد) لبيان قيمة عددية من خلال الإفصاح عن رقم يكاد يكون فلكيا, لكنهم لا يذكرون الرقم وانما يشير البعض منهم الى الاكتفاء بذكر كلمة ” عدد” متبوعة بالتمييز, وهو اسم نكرة منصوب يستخدم في اللغة لإزالة الابهام عن المميّز. فمثلا يقول أحد الشعراء:

وصلاة ربي عد ذاري رماله *** وعداد ما هل المطر من غيومه

وفي ختام قصيدة أخرى يقول شاعر:

وصلاة ربي عد ماخط بكتاب *** على رسول الله خيــــــر البرية

في هذه الأبيات نجد أن الشعراء يختمون القصيدة بصيغة ابتهاليه مستوحاة من ثقافتهم الإسلامية السائدة في مجتمعهم لأجل شد انتباه القارئ او المستمع الى ضرورة السير على خطى السلف الصالح, ولأجل توعية الناس بفضل وقيمة ومنزلة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. ولذلك فهم يستخدمون كلمة (عدد, او عداد, بفتح العين والدال) للحث على الاكثار من الصلاة على رسول الله ثم ربط صفة الكثرة بشيء من واقع الحياة يعادل ويساوي من حيث الكم ذرات الرمال أو قطرات المطر المنهمرة من السماء أو عدد الحروف في كتاب …الخ. كما ويهدف هذا اللون في الشعر الشعبي الى تفعيل الدور الأدبي للشعراء من ناحية نشر وتكريس مفهوم الصلاة والدعاء والابتهال للأجيال الناشئة في المجتمع الإسلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى