كتاب واصل

المرأة السعودية ورياح التغيير

بقلم / منصور ماجد الذيابي

قبل مناقشة التغيّرات التي طرأت مؤخراً على أوضاع المرأة في مجتمعنا, أرى أنه من المناسب استعراض تاريخ المرأة عبر العصور الماضية حيث تعرضت المرأة منذ عصور ما قبل الإسلام الى اضطهاد قوي فقدت معه انسانيتها وكرامتها الى الحد الذي أُجبرت فيه على أن تُباع وتُسبى وتُستعبد بل وتُدفن بعد الولادة مباشرة وهي على قيد الحياة مخافة العار كما كان يظن عرب الجاهلية. وما أن جاء الإسلام حتى حرَّم الاعتداء على المرأة بقتلها أو حتى التشاؤم لولادتها. قال تعالى: ” وإذا بشّر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودّاً وهو كظيم”.

مع بزوغ فجر الإسلام حظيت المرأة بمنزلة عالية حيث ساوى بينها وبين الرجل في الحقوق ورفعها من المستوى الحيواني الهابط الى المستوى الإنساني الرفيع، وباكتمال نزول الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم تمتعت المرأة بحقوقها كاملة بما يتناسب مع طبيعتها وعاطفتها. وبذلك أقر الإسلام – خلافا لنظرة الديانة اليهودية لها – إنسانية المرأة باعتبار أنها مخلوق إنساني له روح إنسانية من نفس النوع الذي منه روح الرجل، لا فرق بينهما. وهي أخت الرجل تنتسب واياه إلى أب واحد وأم واحدة. وأخوة النسب على هذا النحو تقتضي المساواة في الحقوق.
ومن صور التكريم والمساواة التي أقرها الإسلام كذلك هو تقرير أهلية المرأة للعمل والعبادة. ذلك أن الرجل والمرأة يتفقان في قاعدة العمل و الجزاء. فهي أولا مخاطبة بالتشريعات والتكاليف الشرعية, قال تعالى: ( كل نفس بما كسبت رهينة) وثانيا هي مجازاة بالخير خير وبالإساءة عقاب. ( وعد الله المنافقين والمنافقات نار جهنم). وهي ثالثا مطالبة بالتقاضي الى شرع الله والرجوع اليه.
ومن الناحية الاقتصادية أقر الإسلام حق المرأة في التملك, فهي تملك الإرث. قال تعالى: ( وللرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون). وتملك المهر, ولها الحق الاقتصادي في الصرف, تبيع وتملك وتنفق ما تريد وكيفما تشاء.
لقد نصت مصادر الشريعة على اكرام المرأة أمّاً , فقال تعالى: ( ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفطامه ثلاثون شهرا ). وقال رجل للرسول: ” من أحق الناس بصحبتي قال أمك, قال ثم من, قال: أمك, قال ثم من, قال أمك, قال ثم من قال: أبوك. وكذلك أكرمها زوجة. قال صلى الله عليه وسلم: “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”. وأيضا أكرمها بنتا وأختا, قال (ص): “من كانت له أنثى فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها أدخله الله الجنة”. فلماذا تدّعي فئة من نساء اليوم أنهن مسلوبات الحقوق وناقصات الأهلية؟
بالرغم من إقرار الإسلام للمساواة بينهما, الا أن هناك بعض الفوارق بين الرجل والمرأة, ومنها “الشهادة” مثلا. فقد جعل الإسلام الشهادة التي تثبت الحقوق شهادة رجلين عدلين أو رجل وامرأتين. قال تعالى: ” واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتين ممن ترضون من الشهداء، ان تضل احداهما فتذكر احداهما الأخرى”.
هذا التفاوت لا علاقة له بالإنسانية ولا بالأهلية ولا بالكرامة: قال تعالى في تعليل اشتراط المرأتين بدلا من الرجل الواحد ان تضل أحداهما فتُذكّر احداهما الأخرى” أي خشية أن تنسى أو تخطيء احداهما فتذكرها الأخرى بالحق كما وقع.
ولهذا المعنى ذهب كثير من الفقهاء إلى أن شهادة المرأة لا تقبل في الجنايات، فهي غالبا ما تكون قائمة بشؤون بيتها ولا يتيسر لها حضور مجالس الخصومات التي تنتهي بجرائم القتل. ولما كانت المرأة بطبيعتها العاطفية السريعة الانفعال، روعي أن تكون معها امرأة أخرى فقد يكون المشهود له أو عليه امرأة جميلة تثير غيرة الشاهدة أو قد يكون فتى يثير عواطف الأمومة.
كما تكون الفوارق في الميراث أيضا. قال تعالى : ” للذكر مثل حظ الأنثيين”. ولتفسير هذا الاختلاف قال اهل العلم أن المرأة تأخذ المهر, فهي لم تكلف بالمساهمة في نفقات البيت على نفسها وعلى أولادها ولو كانت غنية. ومن هنا كان من العدالة أن يكون نصيبها في الميراث أقل من نصيب الرجل. وبالنسبة للدية جعلت الشريعة الإسلامية دية المرأة ما يعادل نصف دية الرجل. والتعويض المالي يجب أن تراعى فيه الخسارة المالية قلة وكثرة، فهل خسارة الأسرة بالرجل كخسارتها بالمرأة؟ طبعا لا.
يقول أهل العلم ان الأولاد الذين قتل أبوهم خطأ، والزوجة التي قتل زوجها خطأ قد فقدوا معيلهم الذي كان يقوم بالإنفاق عليهم والسعي في سبيل رزقهم، أما الأولاد الذين قُتلت أمهم خطأ والزوج الذي قُتلت زوجته خطأ فهم لم يفقدوا فيها إلا الناحية المعنوية وهي ناحية لا يمكن أن يكون المال تعويضا عنها. وعلى أية حال فان الدية ليست تقديرا بقيمة الإنسانية في القتيل وإنما هي تقدير لقيمة الخسارة المادية التي لحقت أسرته بفقده.
يضاف الى هذه الفوارق بعض الوظائف الخطيرة مثل قيادة الجيوش والمشاركة في القتال كما يحدث في إقليم كردستان وشمال سوريا حيث يتم الزج بالكرديات في ساحات الوغى كدروع بشرية, بالرغم من علمهم بأن مثل هذه الوظائف لا تتفق مع تكوين المرأة النفسي والعاطفي.
وفي بلدنا اليوم زادت مطالب فئة من النساء وارتفعت أصوات تنادي بحقوق أخرى بحجة مواكبة التطور وروح العصر الذي يعشن فيه. فمنهن من طالب بحقوق إضافية كقيادة السيارة مثلا. فجاء الأمر السامي الكريم بمنحهن هذا الحق وفقا لنظام محدد.

وقبل ذلك بسنوات كانت الدولة – رعاها الله – أقرت حق استخراج بطاقة الهوية الوطنية للمرأة لتمكينها من مراجعة الدوائر الحكومية دون شرط حضور ولي الأمر كما كان سائدا فيما مضى. كما أعطيت حق التقاضي والعمل بصفة محامي، ومؤخرا صدر قرار حكومي يسمح لها بممارسة النشاط الرياضي داخل مؤسسات التعليم الخاصة بالبنات. كما صدر قبل أيام قرار يقضي بإمكانية خروجها من الجامعة دون شرط حضور ولي أمرها والسماح لها كذلك باستخدام الهاتف المحمول داخل أروقة الجامعة وكلياتها.
أبعد كل هذه الاستحقاقات الجديدة, هل ستكتفي المرأة يا ترى بما تم اكتسابه في الآونة الأخيرة, أم أننا سنشهد يوما تطالب فيه المرأة بمساواتها مع الرجل في الشهادة, والدية, والإرث, وقيادة الجيوش؟
يا ترى ماذا يريد هذا المخلوق البشري, ومن يقف خلفه ويدفع به الى ساحات الرجال, والى أين يتجه سقف طموحاته وتطلعاته ومطالبه؟ وكيف لنا أن نضبط الإيقاع السريع لتلك المطالب والأصوات. ألم يسمعن بقوله تعالى ” وقرنَ في بيوتِكُنَّ ولا تبرّجنَ تبرُّجَ الجاهليةِ الأولى”؟, بمعنى كنَّ أهل وقار وسكينة في بيوتكن., وقيل أن التبرج في هذا الموضع يعني التبختر والتكسر, الأمر الذي يشعل فتيل التحرش . ولذلك أرى أن نظام التحرش المتوقع صدوره في الفترة القادمة لا ينبغي أن يكون موجها للذكور وحسب, وانما لكل من تتجاوز الحد المألوف والأعراف الاجتماعية في الأماكن العامة. وحفظ الله جميع افراد مجتمعنا من مخاطر رياح التغيير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى