كتاب واصل

(ليلة وفاء لصوت الأرض)

الكاتب/نايف الخمري

في ليلة كرنفاليه تاريخية بهيجة لا تنسى تشع أنواراً متألقة من وجوه الحاضرين سوف تُخلد في ذاكرة الوطن وذاكرة الفن ، ألهبت المشاعر وألهمت الخواطر المتداعية وحركت في دواخلنا مشاعر الطرب الأصيل استمتعنا فيها كثيراً بتكريم الهرم الشامخ فارس الأغنية السعودية صوت الأرض العملاق الراحل الفنان طلال مداح الذي رحل قبل إثنين وعشرون عاماً فقد طال انتظارنا لهذا التكريم هذا الفنان المٌرهف الحس صاحب الابتسامة الدائمة ، أنيق الكلمة الذي بينه وبين جمهوره علاقة حب لا تنتهي، عاش متواضعاً بسيطاً ومات كما عاش بسيطاً (ليلة صوت الأرض) حيث احتشدت الجموع بحضورهم الرائع على مسرح محمد عبده من رفقاء دربه وأصدقائه والفنانين والمحبون والعشاق الذين أتوا معبرين عن مدى حبهم وتقديرهم للراحل وهم يسطرون اسمى معاني الحب والوفاء وقد ادمت وجوههم قسوة الرحيل من خلال ملامحهم الحزينة، أمسية كان فيها الراحل حاضراً في قلوب تلك الجماهير الحاضرة والمتابعة من الملايين على مستوى الوطن العربي لمراسم تلك الليلة من خلال شاشات التلفزة تأكيداً لمعاني الوفاء والحب الكبير للفنان طلاح مداح حظي فيها بتكريم يليق به ، وهيئة الترفيه قد أدركت أبعاد هذا التكريم فبادرت بتكريم ذكراه الذي جاء هذا التكريم يتناسب مع أحد رموز الوطن الذي ساهم في رفعته من خلال تطوير ونشر الأغنية السعودية وهذا يؤكد اهتمام المسؤولين بالفن والفنانين بكل فخر واعتزاز والحفاظ على إرثهم الفني وطلال مداح يستحق تلك المكانة اللائقة والأهمية الكبيرة ولم يكن ذلك التكريم عبثاً بل لأنه فنان استثنائي كان سبباً في الارتقاء بالأغنية السعودية حينما نقلها للخارج فهو لازال راسخاً في وجدان الناس على مدى عقود مضت، بدأ تلك الأمسية الإعلامي القدير صاحب الصوت الفخيم حسين نجار الضالع في متون اللغة الذي نثر أجمل العبارات وأحلى التحيات وعانقت كلماته الساحرة قلوب الجميع وصافح صوته عيونهم وشنف أسماعهم ، ليلة تداعت فيها أجمل الذكريات امتدت في مساحة زمنية تفيض وفاءاً وحباً وعطاءاً وبهجة ومودة وتنساب صدقا ونقاءً بحضور العديد من المثقفين والكتاب والفنانين والموهوبين ونجوم الشعر والإعلام والرياضة . تحدث فيها نجوم الشعر والفن عن نجاحاته وبعض من المواقف والمنعطفات في مسيرة حياته الفنية التي تربع فيها طوال 40عاماً حقق فيها إنجازات غنائية مميزة وكبيرة وعاش الجمهور مع كبار الفنانين السعوديين والخليجيين والعرب من المبدعين الذين اعادوا نماذج من روائع أغانيه الخالدة طوال مشواره الفني والتي شدو بها في محاولة لأسر قلوب الحضور بإبداعهم في ترنم جميل فأطربوا الجميع حتى فاض الحب مع الحزن لكنهم لم يستطيعوا الوصول لرصانة الأداء والإحساس الصادق لعذوبة الصوت الجميل لدى طلال ، الذي مازال يعيش بيننا متألقاً في ذكرى رحيله فهو في وجدان الشعب السعودي حاضراً فينا وبيننا بصوته الدافئ الشجي وروحه تحلق في سماءنا وأغنياته الفريدة تزداد روعتها يوماً بعد يوم وتلمع مثل الذهب ومازالت أغانيه تشنف اسماعنا وإلى اليوم نعيش في ذاكراه الطيبة وقد ترك فينا فناً جميلاً مثل روحه الجميلة وإحساسه الصادق من خلال الصوت الندي الشجي النقي المتفرد في الأداء المٌعبر الذي يحاكي مزامير داؤود في عذوبته بموهبته الفذة والفريدة التي وهبها الله له ، هذا الصوت الذي لن يتكرر أبداً فهو مُختلفاً وفريداً عمن قبله وبعده هو ظاهرة فنية يصعٌب على أحد تكراراها وبصمة خاصة للأغنية السعودية التي أرتقى بذائقتها الفنية وحفر اسمه فيها من ذهب ورسمت أغانيه وألحانه خارطة الأغنية السعودية حتى نالت حظها من الانتشار وقام بترسيخها حتى أصبحت قاعدة أساسية لانطلاق المطربين السعوديين حيث ساهم في تطويرها وتجديدها وهذا الانتشار جعل الأغنية السعودية في قمة نجاحها عربياً، نهل من فنه الكثيرون فهو نهر مٌتدفق من الابداع المتواصل أستطاع أن يكسب قلوب الجميع من مٌعجبه ومٌحبيه الذين يلتفون حوله، غنى للحب وعبَر عن مشاعرنا وبلور أحاسيسنا ومافي قلوبنا وكانت أغانيه مليئة بالفرح حتى ترسخ في حياتنا ،غنى للوطن فكانت لتك الاغاني أثراً بالغاً في تعميق احساسنا بالانتماء والولاء للمكان، غنى للرياضة ليشعل فينا روح الحماس والمنافسة ، عاش حياته لإسعاد الناس وكان ذلك من نٌبل أخلاقه كان يشارك في كل مناسبات الوطن وهو فخوراً وسعيداً وكانت مشاركاته علامة فارقة في تلك المناسبات وكان يرتبط بعلاقات قوية مع رموز الفن وأقطابه في العالم العربي كان حريصاً ـ رحمة الله ـ عليه على المشاركة في مهرجان الجنادرية باستمرار منذ بدايته من أجمل أغانيه الوطنية ( وطني الحبيب ) لن ننساه فهو خالداُ فينا بأعماله الجليلة ومحبته التي زرعها طوال حياته في قلوبنا ورعاها إلى أن رحل أستطاع استمالة قلوب الناس من مٌحبيه وجماهيره على امتداد الوطن خلال مسيرته الطويلة الحافلة بالعطاء والتي امتدت لأكثر من أربعين عاماً وأعماله لازالت راسخة في أذهان الجميع فهو من المٌبدعين العمالقة الذي وضع قامته على امتداد الوطن مع أساطير الغناء ورحل معهم فهو أحد القامات السامقة في الوطن العربي، تاركاً خلفه إرثاً فنياً خالداً لا يندثر ولوعة لا تفنى ، تاركاً فينا سيرة عطرة ممتلئة وذكريات جميلة ومثل طلال مداح لا ينسى لأنه في سويداء القلوب وأحداق العيون ، رحيله ترك فراغاً واسعاً لا يمكن ملؤه .

حاز على ألقاب عديدة أطلقها عليه معجبوه وعاشقي فنه وأسلوب غناءه كالحنجرة الذهبية وفارس الاغنية السعودية وقيثارة الشرق وصوت الأرض ولقب زرياب الذي أطلقه عليه الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب حيث غنى له، كان لديه القدرة على التنوع في اللهجات وإتقانها ما دفعه للغناء باللهجة اللبنانية والسورية والمصرية والمغربية والعراقية والتونسية واليمنية والسودانية وغيرها، قال عنه الفنان محمد عبده أنه رجل الأغنية السعودية الأول وهو الأصل ونحن نتفرع منه وهو أستاذ الجميع. قلده الملك فهد ـ رحمه الله ـ وسام الاستحقاق من الدرجة الثانية وهذا يدل بوضوح عن مدى المكانة العالية التي يحتلها الأسطورة في نفوس وقلوب الكبار.

ألتقيته للمرة الأولى عام ١٤٠٤ في مناسبة خاصة عندما كان ضيفاً على أمير الباحة الراحل الشيخ إبراهيم بن عبد البراهيم وفي المرة الثانية عرفته والتقيته عن قرب في مهرجان الباحة الغنائي الذي أقيم ضمن برامج الصيف عام (2000م) حيث غنى على مسرح غابة رغدان وأحتضنه جمهوره بكل حب وود وكانت فرحته كبيرة للغناء لجمهوره في الباحة لأول مرة ومدى تفاعلهم لأغانيه وتقديراً لغنائه وحبهم له واكتشفت نقاءه وبساطته وتواضعه كان حاضر الابتسامة خلوقاً مهذباً محباً لوطنه ولفنه وجمهوره فأحبه الوطن وأحبه الصغير والكبير وأحبه الجمهور، ليته كان بيننا حتي يعرف كم يٌحبه الناس ـ رحمه الله ـ صاحب طرفة ظريفة لها نكهتها الخاصة وذات مرة كنا في طريقنا لقصر الأمير فيصل بن محمد بن سعود نائب منطقة الباحة أنذاك مع عدد كبير من الفنانين السعوديين والخليجيين وفرقة البحرين الموسيقية لحفل العشاء الذي أقامه سموه تكريماً لهم وكنا نستقل حافلة نقل جماعي وفي الطريق بعد أن تحركنا أخذ الميكرفون الداخلي وقال بعفويته مبتسماً ضاحكاً (وين المطوف حقنا ) وأضحك الجميع في صورة جميلة من صور الفكاهة فمن يقترب من طلال لابد أن يحبه وقد كان قد طلب مني ومن الفنان الراحل درويش غشام حينها البحث له عن منزل في الباحة في مكان مٌناسب ليقوم بشرائه بعد أن أكد رغبته للمجيء للباحة في فترات متباعدة نتيجة إعجابه بالمنطقة وبأجوائها الساحرة وقال لي رتب الموضوع مع الأخ خالد أبو منذر صديقه الخاص ومدير أعماله واتفقنا على ذلك وبعهدها شارك في حفلة أبها وتوفى هناك ـ رحمه الله ـ إثر تعرضه لأزمة قلبية ، كم كٌنت محظوظاً لأنني عرفته وشهدته عن قرب، إن أجمل ما قد يمتلكه المرء هو محبة الناس وتقديرهم واحترامهم الدائم له .

تلويح :
الموت أسطورة لا شيء يفنى في هذه الحياة سوى الأجساد، أما ما نتركه خلفنا من أثر هو دليل على وجودنا إلى الأبد في نبض كل ذي فؤاد . (شيرين هنائي )

نايف الخمري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى