كتاب واصل

سوق العقــــار ” يمـرض ولا يمـوت”

بقلم : منصور ماجد الذيابي

كنت اسمع منذ سنوات طويلة في أوساط العقاريين عن مقولة ” العقار يمرض ولا يموت”, ولم أكن ادرك تماما مغزى هذه الجملة التي يرددها أصحاب المكاتب العقارية والشريطية ” السماسرة ” عندما يتعرض نشاطهم الى فترة من الركود والتراجع والكساد. فكانوا عندما يأتي اليهم من يبحث عن قطعة أرض ليشتري بثمن أقل في فترة تراجع الأسعار, يقولون له بأن الأسعار لم تنخفض ولكن السوق هذه الايام في حالة ركود وسيعاود الارتفاع قريبا. وما أن تتفاوض معهم وتحاول اقناعهم بالبيع بسعر اقل, يردون عليك فورا بالمقولة الشهيرة ” العقار يمرض ولا يموت”.

هذه الجملة يستخدمها سماسرة العقار لتحفيز الزبون على الشراء باعتبار أن المرض اشبه بحالة عارض صحي ستزول ويعقبها شفاء وتعافي ونشاط, وبالتالي حدوث ارتفاع في مؤشر الأسعار والحصول على الربح. أما اذا كان الزبون هو من يملك الأرض ويريد عرضها للبيع فانهم يردون عليه بعبارة ” العقار ميت ” لتحفيز المالك على البيع بسعر رخيص وبالتالي ضمان حصولهم على عمولة الصفقة في وقت قصير.
الغريب في الأمر أن سوق العقار, وبعد كل هذه السنوات من المرض العضال, وبالرغم من بقاؤه في غرفة العناية المركزة سنينا عجاف, الا أن الأسعار لا تزال مرتفعة بالنسبة لمتوسطي الدخل ومبالغ فيها بالنسبة لمحدودي الدخل, وأن لا سبيل لانعاش نبض السوق الا بتوافر عوامل محفزة تنقل السوق من حالة الغيبوبة الى حالة اليقظة والقوة والنشاط.
وكنت قد أوضحت في مقال سابق بعنوان ” الباحثون عن السكن .. متى تتحقق احلامهم؟” بأن تعافي القطاع العقاري لن يتحقق الا بتزويد المخططات في ضواحي المدن بالخدمات الأساسية ومشاريع البنية التحتية لتشجيع المشترين بالتوجه اليها والبناء فيها. ومن هنا سوف تتأثر الأسعار داخل النطاق العمراني نزولا كنتيجة طبيعية لانخفاض الطلب وتوسيع مجال العرض أمام صغار المستثمرين للبيع والشراء في مخططات أبعد قليلا وأرخص كثيرا. ان تطوير هذه المخططات سيكون له تأثيرا قويا في حل مشكلة تملك المساكن إذا ما أوكلت أعمال التطوير الى شركات متخصصة وبإشراف مباشر من قبل هيئة العقار لتتولى المتابعة والرقابة على سير الأعمال وفقا لخطة عمل مع الشركات المنفذة.
اننا لا زلنا نتساءل عن سبب بقاء الأسعار مرتفعة كما كانت قبل فرض الرسوم على الأراضي البيضاء, ومن هو المستفيد من حالة الترقب والجمود وثبات الأسعار؟ وأيضا نتساءل عن دور وزارة الإسكان في تنفيذ مشروعات لبناء وحدات سكنية في الأراضي ذات المساحات الكبيرة التي تملكها الوزارة في مخططات المنح شمال وشرق الرياض مثلا. وان كانت الأسباب تتعلق بتمويل هذه المشروعات, فلماذا لا تقوم الوزارة بتوزيع هذه الأراضي على المستفيدين المستحقين وتقديم قروض ماليه لهم بالتعاون مع البنوك لأجل أن يتمكن هؤلاء المستحقين من بناء مساكنهم بأنفسهم؟.
انني أحذر من هذا المنبر من تفاقم أزمة السكن وانتحار العقار عموما اذا ما بقيت الأوضاع تتأرجح على هذا النحو. اذ أن الأمر سيشجع كبار الملاك وهوامير بورصة العقار على استغلال حالة التوقف عن تطوير واستحداث مخططات جديدة باللجوء الى احتكار العرض ورفع الأسعار لتعويض خسارتهم في فترة الركود التي لازالت تخيم بظلالها على سوق العقار, والتي لا تخدم شريحة كبيرة من المواطنين البسطاء, ولا تساهم في تلبية احتياجات الباحثين عن السكن بأسعار تتناسب مع الدخل الشهري ان كان لبعضهم دخل أصلا.
ومن ضمن تلك العوامل التي ستساعد على انفراج ازمة السكن وانعاش نبض العقار هو تعديل أنظمة البناء المعمول بها حاليا لتسمح بالتوسع عموديا من خلال بناء طابق ثالث ورابع للمنازل السكنية القائمة او تلك التي تحت الانشاء, مع توجيه المكاتب الهندسية الاستشارية بتخفيض معدل كميات حديد التسليح والخرسانة بما يتلاءم مع أساسات المبنى في تحمل أدوار أضافية.
ومن الحلول لتنشيط القطاع العقاري هو اعتماد الأمانات لمخططات سكنية حول القرى والمراكز التابعة للمحافظات مما يساهم في انطلاق الهجرة العكسية وبالتالي تخفيف الضغط على المدن المزدحمة، ومساعدة الناس في إيجاد الأرض المطورة وبيعها لهم بأسعار رمزية على أن يلتزم المستفيد بالبناء عليها وعدم بيعها. وبذلك تتحقق الأهداف بحل مشكلة السكن وسحب البساط من تحت اقدام “الهوامير” للتأثير على الأسعار من ناحية والقضاء على ظاهرة البناء العشوائي في القرى ووقف الاحتكار من ناحية أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى