كتاب واصل

” الكنز “

في زمننا سريع التحول صرنا نشعر بشيء من الضياع الثقافي و الاجتماعي مع عجز في إدراك المتغيرات المتلاحقة.

ووجدت أن أحد أكثر ما يعاني منه من أزعجته غربة الجيل مشكلة الأخلاق ،

خالد هشام العباسي

و باتت ذئاب الأخلاق تتلقفنا و أبناءنا و درعنا الصامت يتفتت عند كل هجوم و مستودع أسلحتنا خاوِ إلا من صدى نداءات اللوم بيننا و كأن الحل قد خُطف أو حُبس في قبو مظلم تحت عرش عدو صلب مخيف.

و الانغماس الكثير من المهتمين و التربويين في إصلاح أمر الأخلاق يتوه جمعٌ منهم في ملاحقة الظواهر الجديدة من السلوكيات المرفوضة -وهو مهم- لكنهم يغفلون عن البناء الصحيح للخلق.

ففكرت في البحث عما يسهل هذا الأمر و خطر على بالي خلق رفيع وهو خلق ( النُبْل ) ، و لو أردت تقريب المعنى فأكثركم يعلم أن العوائل الكبرى في أوروبا كان أبناؤها يعرفون بالنبلاء كدلالة على الرقي الرفعة.

لكن أجمل وصف مر علي للنبل هو قول معاوية بن أبي سفيان (قيل لمعاوية من أسْوَدُ الناس-أسود من السيادة و الشرف و ليس سواد اللون- ؟ قال : أسخاهم نفساً حين يُسأل ، وأحسنهم في المجالس خُلقاً ، و أحلمهم حين يُستجهل -أي تقع عليه الجهالة-) 

لحظة! قبل أن تبدؤوا بتذكر من لهم صفات تناقض هذا الوصف أطلب منكم أن تغيروا الوجهة إلى تذكر أصحاب هذه الصفات الجليلة ، أتعرفون أولئك الأشخاص المترفعين عن الجدال و القيل و القال ، أتذكرون أولئك الناس الآنفين عما في يد غيرهم الناس ، الزاهدين فيما عندهم ليرضوا غيرهم أو ليتساموا عن أي قدح أو نقيصة ، تذكروا الساعين في الخير دون سؤال أو تباطؤ ، و المتعالين عن كل نقيصة تخدش أسماءهم البراقة التي كدوا ليصنعوها لتطير في علو و تغدق على الناس من عذب أخلاقها.

يقول الشاعر:

تفضل على من شئت واعنَ بأمره فأنت و لو كان الأميرَ أميرُهُ

و كن ذا غنىً عمن تشاءُ من الورى ولو كان سلطاناً فأنت نظيرهُ

و من كنت محتاجاً إليه وواقفاً على طمعٍ فأنت أسيرهُ

قرائي الأعزاء ، إن قالب الأخلاق في نظري لا يُكتسب بل يُصنع صناعة و يصقل صقلاً ، وشعاره يتوارث من جيل إلى جيل ، فركزوا أنظاركم على النبل فهو كنز الأخلاق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى