كتاب واصل

(وجوه بلاستيكية)

اشتهر في القرون السابقة استخدام الأقنعة لأغراض مختلفة، من أشهرها استخدام الأوروبيين لها في حفلاتهم التنكرية لإخفاء مجون طبقة النبلاء، أما أشهر المقنعين في تاريخنا الإسلامي فهما المُقنع الكندي والمُقنع الخرساني،

أ/ خالد هشام العباسي

والعجيب أن الأول وهو محمد بن ظفر الكندي كان يستخدم القناع لإخفاء جماله وحسن طلعته لكثرة ما كانت تصيبه العين، أما الثاني وهو هشام بن حكيم والذي اتخذ القناع لإخفاء دمامته وقبح منظره.

أما اليوم فما عاد الناس يستخدمون الأقنعة إلا بصفة رمزية ، والسبب في رأيي أن الوجوه ذاتها صارت أقنعة بعد التوسع الكبير و المبالغ فيه في استخدام مستحضرات التجميل و عمليات التجميل أيضاً ، و بعدما كان أمر عمليات التجميل حكراً على كبار نجمات السينما و الشاشات ثم توسع إلى من هن أقل شهرة و إلى المذيعات ، حتى صارت العمليات اليوم شيئاً طبيعياً و متفشياً فانقلبت الآية و صارت عملية الضغط المجتمعي واقعة على رافضات العمليات بدلاً من العكس ، حتى تمدد الهوس إلى الرجال الذين ما عاد كثير منهم يخجل من القيام بهذه العمليات بغرض التجميل فقط .

والصادم هو تصدُّر المملكة لهذا السوق على مستوى العالم العربي ومنافستها على المستوى الدولي (من أكثر عشر دول إنفاقاً) بإنفاق تخطى 2.3مليار ريال في عام 2015م على مستحضرات التجميل وما يقارب 5 مليار ريال في نفس العام على عمليات التجميل، فهل يستطيع أحد أن يضع يده على السبب؟ وهل يشك أحد في أن الأمر يعتبر ظاهرةً سلبية تغلغلت في مجتمع كان يُعرف بأنه محافظ!

وكما تعلمون أعزائي القراء أن دراسة أي ظاهرة مجتمعية لا يمكن أن تعتمد على عامل واحد، لكن في ظني أن السبب الرئيسي لهذه الظاهرة هو استحكام حب المظاهر في عقول الكثيرين، وهو نتيجة طبيعية لتركيز وسائل الإعلام بنوعيها التقليدي والمتجدد على إبراز معالم لجمال مشوه وغير حقيقي نتيجته تعود بكنوز تملأ جيوب المنتفعين من هذه السذاجة التي استفحلت في عقول الراكضين خلف هذا الجمال البلاستيكي المزيف.

إن أكثر ما يحزنني من توسع هذه الظاهرة هو النمو العكسي الحاصل، فكلما غرق الناس في بئر الجمال الظاهري المُصطنع خسروا أضعافه من رصيد جمال المَخبَر، وهو أمر طبيعي لأن التصنُّع لا يمكن أن يتقبل التواضع، والخداع لا يوافق المصداقية، والتطلُّب لا يتماشى مع القناعة.

وأخيراً كل رجائي هو أن يعيد المربون توجيه بوصلة الاهتمامات فيمن يتلقون عنهم كي نعيد إصلاح ما انتشر من أضرار الوجوه البلاستيكية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى