كتاب واصل

” المطاوعة “.. و الشبهات الثلاث!

image

‏ريم آل عاطف

كذبٌ وتلفيقٌ يعمد إليه بعضُ المفلسين لتحقيق أهدافهم وتعزيز مواقفهم عبر تضليل الناس وتشويه صورة خصومهم والمختلفين معهم.
‏وإن كنت ممن يتلقف بالتصديق والتسليم كل ما يُبث عبر الإعلام دون بحثٍ وتمحيص. فلا شك أن ذلك سيؤول بك –عن قريب أو بعيد- إلى قناعة مفادها أن المحافظين أو ذوي الاستقامة والتدين هم سبب كل بلاء وأصل كل كارثةٍ تحلّ بالمجتمع!!
‏عقودٌ تسنّم فيها أدعياء الليبرالية وأشباه المثقفين الإعلام الرسمي فدلّسوا وروجوا لأباطيلهم، وما كادوا يطرحون همّا أو مشكلة إلا زجّوا بالإسلاميين أو الدعاة فيها! فالتخلّف والفساد والبطالة والفقر ومعاناة المرأة كلها يقف وراءها «المطاوعة» بحسب العقلية المتلبرلة!
‏ العجيب أن تجد بين العامة من قد يقتنع بمثل تلك الأكاذيب، فيردّدها مع عجزه عن تحليلها منطقيا فضلا عن إثباتها.
‏فكثيرا ما نسمع أن المحافظين أو المتدينين ضد التنمية والإصلاح والتطور. وهذا بهتانٌ عظيم! فمدافعتهم لتغريب البلد المسلم ورفضهم مسخ هويته -باستيراد ما انحَرف وخَبُث من قيم الثقافة الغربية- كان يوازيها أيضا مطالبهم الدائمة بضرورة الاستفادة من الجوانب الإيجابية لدى الغرب واستثمار تجاربهم الناجحة وإنجازاتهم المختلفة. للنهضة بالوطن في المجالات العلمية والتقنية والصناعية وفنون التخطيط والإدارة والتنظيم وغيرها…
‏الطريف أنك قد تجد رئيسا للتحرير يستعرض ويزمجر بسطحية عجيبة: «لن أنشر مقالا أو تحقيقا يعترض طريق التنمية والإصلاح!»
‏وهو هنا يقصد تحديدا: أي تعبير عن رفض التساهل بالحجاب واختلاط التعليم والعمل.
‏فغاية مبلغه من العلم والفهم أنه لا يمكننا بلوغ الحضارة وتحقيق الإصلاح إلا بالتمرد على ما نراه حدودا إلهية تنظّم الحريات وتحفظ الحقوق، ويراه هو قيودا تعيق التنمية والانفتاح.
‏ولعل من تزييف الحقائق في هذا الجانب ما يُشاع من أن المصلحين والدعاة ضد مشروع الابتعاث الخارجي مع أن الواقع يشهد أنهم إنما نادوا بأهمية ضبط وتقنين الابتعاث بحصره في التخصصات النادرة وقصره على طلاب الماجستير والدكتوراه وتكثيف متابعة المبتعثين وتحصينهم ورعايتهم، مع العمل على صرف بعض مليارات الابتعاث في فتح الجامعات وتحسين أنظمتها وجودتها بالداخل.
‏ أما في موضوع المرأة فلا يمكنك أن تتناوله إلا وتنهال عليك مثل هذه العبارات: المحافظون شهوانيون يضطهدون المرأة ولا يشغلهم إلا مراقبتها والتضييق عليها. يسيئون لها ويظلمونها. عارضوا تعليمها قديما ويحرّمون الآن عملها وخروجها من المنزل. يرضون ويفضّلون لها مهانة الحاجة أو التسول والعمل على الأرصفة وتحت الشمس على العمل المختلط!
‏ودحضا لمثل هذا التحامل والإجحاف نتساءل: أي الرجال هو الشهواني: من يطالب بعفتها وحشمتها واستتارها عنه، أم من يسعى لتحررها من حجابها وحيائها ويستميت بالمطالبة في خروجها إليه؟!
‏أي الرجال يظلم المرأة: من يناصح ليل نهار عبر المحاضرات والدروس والخطب ببرّ الأم.. والإحسان للزوجة والأخت.. وصلة العمة والخالة.. والتكافل والاهتمام والحماية لليتيمة والمعاقة والمطلقة والأرملة، أم من يقصر كل همومها واحتياجاتها وتطلعاتها في حصة رياضة أو مقود سيارة؟!
‏ من الذي أسهم بتفاقم بؤس المرأة وعوزها ومهانتها: الدعاة والمصلحون الذين ينادون بجعل الأولوية لتوظيف الرجل ليتمكن من القيام بتكليفه الشرعي في الإنفاق ورعاية المرأة.. ويحثونه على أداء مسؤولياته.. ويطالبون الدولة في الوقت ذاته بتهيئة الظروف والبيئة الآمنة والمناسبة للمرأة لتعمل باستقلال وخصوصية في الأسواق والمستشفيات والمشاغل والمؤسسات.. أو صرف المخصصات المالية المجزية لها، أم أولئك الذين أهملوا بطالة الرجل.. واجتهدوا بتوظيف المرأة في مواقع الأذى والفتن فتضاعفت متاعبها وتحمّلت المزيد من الأعباء؟!
‏ذوو الاستقامة والفضل أرادوا نقل صاحبة الحاجة من التسول والأرصفة إلى عملٍ شريف يحفظها ويريحها، فيما سعى المفسدون لنقلها إلى عملٍ مرهق مقلق يبقيها عُرضة للمضايقات والاستغلال فأجاروها من الرمضاء بالنار! أما التعليم فليس صحيحا أن العلماء حرّموه يوما، إنما كان للعامة حذرهم ومخاوفهم في ذلك الحين وتوجسهم أن يصيب تعليم الفتاة في أرض الحرمين ما أصاب تعليمها في بعض بلاد الإسلام من سلبيات. وكان للعلماء دورهم بعد ذلك في إقناع الناس وطمأنتهم، وتولي القيادة والإشراف بأنفسهم على مسيرة تعليم المرأة.
‏ أما بقية التُرهات والافتراءات التي تمتلئ بها مقالات المتلبرلين وبرامج ومسلسلات المحطات الهابطة. كإظهار ذوي الصلاح والالتزام بمظهر الدراويش والجهلة والمتجهمين الذين يعادون الحياة والفرح والتجديد، ويفتقدون للأناقة والعصرية والثقافة. فالواقع يُسقط كل تلك الأكاذيب فبنظرة واحدة حولك تجدهم أحرص الناس على صحتهم الجسدية لاهتمامهم بالرياضة وبعدهم عن التدخين والخمور، والأكثر حرصا على تنمية عقولهم وتطوير مهاراتهم وثقافتهم بالقراءة والاطلاع، وتشهد بذلك المكتبات والدورات ومعارض الكتاب فهم الأكثر حضورا وتعاطيا، حتى في مجال العناية بالمظهر تجد لديهم ولعا واضحا بالأناقة والنظافة والعطور «ولا غرو فهذا هو المنهج المحمدي». وبخصوص الفرح فإن تديّنهم لا يتعارض مع استمتاعهم بالكثير من ملذات الحياة المباحة، لكنهم فقط لا يقابلون النِعم بالمعاصي، ولا يجازون من سدّدهم للحق وأسكن الرضا والطمأنينة قلوبهم والفرح حياتهم بأن يرتكبوا من الآثام ما لا يرُضيه عنهم. أصلح الله أحوالنا، وأزاح أحزاننا.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى