كتاب واصل

(صناعة المشاهير)

الكاتب / نايف الخمري

 الرسام الأمريكي آندري وورهول في أواخر الستينيات تنبّأ بظهور وسيط إعلامي يوفر للشخص العادي حلم الشهرة السريعة، بمقولته الشهيرة: في المستقبل، سيتمكن الجميع من أن يصبحوا مشهورين شهرة عالمية خلال 15 دقيقة فقط).

في ظل تعقيدات الحياة في هذا الزمن الرديء لا أحد منا يستطيع أن ينكر أو يتجاهل إيجابيات وسائل التواصل الاجتماعي الفاعلة التي غيرت حياتنا وما أضافته لنا في كل مناحي الحياة ومدى تأثير هذه الثورة التكنولوجية السريعة والجاذبة على حياتنا إيجابياً أو سلبياً والتي كشفت المستور فقد اُبتلينا في هذا الوطن بكل ما هو نكرة من السفهاء من يسمون أنفسهم ـ مشاهير ـ يسعون ليخلقوا من أنفسهم نجوماً من خلال الشهرة الزائفة والذي أتى بهم الحظ والصدفة وأخذوا يتقافزون ويملؤون الفضاء ويعتلون المنابر ويلوثون حياتنا ، لذا اخترقوا خصوصياتنا وتسللوا إلى داخل بيوتنا عنوة ليلاً ونهاراً بمحتوياتهم المبتذلة الرخيصة والتافهة الغير مفيدة وأفكارهم البالية والفارغة التي شوهت قيمة وأهمية هذه الوسائل وكانت تصرفاتهم تتنافى مع عادات وتقاليد المجتمع فهم لا يحملون فكراً ولاثقافة لأنهم فقاعات نجومية حيث أصبح البعض منهم خبراء وخبيرات يدعون العلم والمعرفة في شتى أنواع العلوم وفي الجانب الآخر نجد من تحول إلى معالجين شعبيين يقدمون لنا الخلطات والوصفات العلاجية ويروجون لتجاربهم وأبحاثهم الفردية وليس لهم علاقة بالعقاقير والأعشاب ، بل تعدى الأمر إلى أن أغلب المتخصصين في مجال أعمالهم المختلفة تركوا تلك الأعمال وتفرغوا لنا يقدمون محتويات يومية دعائية وبدأوا يتسولون المتابعين لمنحهم الأعجابات. والبعض الآخر ينتحلون صفة أعلامي لتغطية برامج وفعاليات وأحداث والبعض لجأوا للتسويق بشكل واسع لدى كثير من الشركات لمحاولة جذب الجمهور لما لهم من تأثير سريع. وفي المقابل لا أنكر أنه يوجد البعض هم من أصحاب المبادئ ممن يعرضون محتوى جيداً ومفيداً سواءً كان ثقافياً أو أدبياً أو سياسياً أودينياً أو سياحياً أو اقتصادياً أو حتى فكاهياً يكون مقبولاً إلى حد ما في بعض الأحيان ( فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ) ومع ذلك لم ينالوا شهرة واسعة مثل هؤلاء المزعومين ولم يتفاعل أحد معهم إلا أنهم لم يصبحوا من المشاهير كهؤلاء المتطفلين الذين ليس لديهم ثقافة ولافكراً وصعدوا فجأة وأصبحوا يتصدرون تلك المواقع ويستهدفون شبابنا وفتياتنا ونساءنا لترويج التفاهة والتسطيح والأفكار الهدامة التي تسعى للدمار والهلاك وتعدوا على منظومة القيم من خلال ما يروجون له حيث أصبحت ممارساتهم الخاطئة تسيء للمجتمع وللعادات والتقاليد بل للدين وللوطن بلا حسيب ولارقيب يخلطون الأمور مع بعضها ويثيرون حفيظتنا بجهلهم المقيت. وآخرون يعيشون حالة عدم استقرار يحشرون الغير فيما يعنيهم وما لا يعنيهم في شيء ويسردون للمتلقي أحداث خاصة وقصص قد تكون غير واقعية لا تعني شيئاً لأحد إلا لهم هم فقط وذلك لتحقيق شهرة واسعة النطاق ولحصد المتابعين بغرض جمع المال وتحقيق المزيد من العائد المادي الكبير وقد نجح الكثيرون منهم في كسب المتابعات وأصبح لهم معجبين ومتابعين يتهافتون عليهم من خلال التسول في وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت وسيلة للتكسب المادي وللأسف أن هؤلاء الدخلاء أصبحوا يتقدمون الصفوف ولهم مكانتهم في المجتمع لأنهم وجدوا من يشجعونهم لما يقدمونه من مضمون ساقط يصل لخدش الذوق والحياء العام أحياناً ونشر ثقافة غير مقبولة لدرجة أن تصرفاتهم وتحركاتهم ولباسهم وأسلوب حياتهم أصبحت ثقافة مجتمعية عند الكثيرين من المتابعين والمعجبين بهم من المراهقين ؟ فكيف وصلنا إلى ما نحن فيه الآن وماذا قدموه هؤلاء الحمقى للوطن ولماذا نجد التصفيق والتشجيع لهم والتقدير؟ ومتابعة الهراء المتداول الذي يقدمونه في مواقع التواصل الاجتماعي ولماذا يلقى صدى واسع لدى الكثيرين من لكن مع الأسف أن المتابعين هم من صنع نجوميتهم وأصبحوا رموزاً في المجتمع حتى تسيدوا هذه المنصات وأصبحوا قدوة لشبابنا وبناتنا وخاصة المراهقين الذين يتابعونهم في كل المناسبات واﻷحداث في ظل انعدام الوعي حتى بات الجميع مُنغمسين بحياة هؤلاء المشاهير وخصُوصياتهم وتصرُفاتهم ويتسابقون لمتابعتهم لدرجة الهوس ولا يهتمون بالأحداث الهامة المؤثرة في الحياة الاجتماعية بل أصبحوا يهتمون بالأشخاص المؤدلجين من أرتال الفاشلين الذين ينشرون الإسفاف والتفاهة بمنتهى الوضاعة والسفالة وأخذنا في الانحدار إلى هذا المستوى . لقد عانينا كثيراً وما زلنا من آفات هؤلاء المشاهير الفارغين الانتهازيين المتسلقين على أكتاف المخلصين المبدعين والمبدعات من أبناء وبنات الوطن في مجالات تخصصاتهم المختلفة الذين حققوا إنجازات لوطنهم ولازالوا يسجلون لنا كل يوم أرقاماً جديدة تضاف إلى الإنجازات السابقة في سجلات الوطن في مختلف المجالات وعكسوا لنا بعلمهم وثقافتهم وأخلاقهم صورة زاهية عن وطننا في جميع المحافل الدولية ومثلو وطنهم أحسن تمثيل وأسهموا في رفع رأيته عالمياً وعربياً بإبداعاتهم وتميزهم في شتى العلوم الاخرى حتى أنهم أصبحوا نماذج مشرفة مما يدعو للاعتزاز والفخر بهم، لكننا في ظل تنامي وصعود هؤلاء المتطفلين أجبرناهم على التواري عن الأنظار والانزواء في الظل ، إن متابعة هؤلاء السفهاء مضيعة للوقت ومفسدة للعقل والأخلاق فقد شوهوا وكدروا صفو حياتنا الاجتماعية حتى أصبحوا عبئاً كبيراً على نفوسنا وجاثوماً ثقيلاً على صدورنا. فقد عانينا منهم كثيراً وسوف يعاني منهم الوطن فليس لديهم ضوابط أخلاقية فهم يسعون إلى تدمير أفراد الأسر والمجتمع .
همسة:
(حب الشهرة أعلى درجات التفاهة) الروائي الأمريكي جورج سانتايانا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى